سورة العنكبوت - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (23)}
لما بين الأصلين التوحيد والإعادة وقررهما بالبرهان وهدد من خالفه على سبيل التفصيل فقال: {والذين كَفَرُواْ بئايات الله وَلِقَائِهِ} إشارة إلى الكفار بالله، فإن لله في كل شيء آية دالة على وحدانيته، فإذا أشرك كفر بآيات الله وإشارة إلى المنكر للحشر فإن من أنكره كفر بلقاء الله فقال: {أُوْلَئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِى} لما أشركوا أخرجوا أنفسهم عن محل الرحمة لأن من يكون له جهة واحدة تدفع حاجته لا غير يرحم، وإذا كان له جهات متعددة لا يبقى محلاً للرحمة، فإذا جعلوا لهم آلهة لم يعترفوا بالحاجة إلى طريق متعين فييأسوا من رحمة الله، ولما أنكروا الحشر وقالوا لا عذاب فناسب تعذيبهم تحقيقاً للأمر عليهم، وهذا كما أن الملك إذا قال أعذب من يخالفني فأنكره بعيد عنه وقال هو لا يصل إلي، فإذا أحضر بين يديه يحسن منه أن يعذبه ويقول هل قدرت وهل عذبت أم لا، فإذن تبين أن عدم الرحمة يناسب الإشراك، والعذاب الأليم يناسب إنكار الحشر. ثم إن في الآية فوائد إحداها: قوله: {أُوْلَئِكَ يَئِسُواْ} حتى يكون منبئاً عن حصر الناس فيهم وقال أيضاً {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} لذلك، ولو قال: أولئك الذين كفروا بآيات الله ولقائه يئسوا من رحمتي ولهم عذاب أليم، ما كان يحصل هذه الفائدة فإن قال قائل لو اكتفي بقوله: {أولئك} مرة واحدة كان يكفي في إفادة ما ذكر، ثم قلنا لا وذلك لأنه لو قال أولئك يئسوا ولهم عذاب، كان يذهب وهم أحد إلى أن هذا المجموع منحصر فيهم، فلا يوجد المجموع إلا فيهم ولكن واحداً منهما وحده يمكن أن يوجد في غيرهم، فإذا قال أولئك يئسوا وأولئك لهم عذاب أفاد أن كل واحد لا يوجد إلا فيهم الثانية: عند ذكر الرحمة أضافها إلى نفسه فقال رحمتي وعند العذاب لم يضفه لسبق رحمته وإعلاماً لعباده بعمومها لهم ولزومها له الثالثة: أضاف اليأس إليهم بقوله: {أُوْلَئِكَ يَئِسُواْ} فحرمها عليهم ولو طمعوا لأباحها لهم، فلو قال قائل ما ذكرت من مقابلة الأمرين وهما اليأس والعذاب بأمرين وهما الكفر بالآيات والكفر باللقاء يقتضي أن لا يكون العذاب الأليم لمن كفر بالله واعترف بالحشر، أو لا يكون اليأس لمن كفر بالحشر وآمن بالله فنقول: معنى الآية أنهم يئسوا ولهم عذاب أليم زائد بسبب كفرهم بالحشر، ولا شك أن التعذيب بسبب الكفر بالحشر لا يكون إلا للكافر بالحشر، وأما الآخر فالكافر بالحشر لا يكون مؤمناً بالله لأن الإيمان به لا يصح إلا إذا صدقه فيما قاله والحشر من جملة ذلك.


{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24)}
لما أتى إبراهيم عليه السلام ببيان الأصول الثلاثة وأقام البرهان عليه، بقي الأمر من جانبهم إما الإجابة أو الإتيان بما يصلح أن يكون جوابه فلم يأتوا إلا بقولهم: {اقتلوه أَوْ حَرّقُوهُ} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: كيف سمى قولهم: {اقتلوه} جواباً مع أنه ليس بجواب؟ فنقول الجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنه خرج منهم مخرج كلام المتكبر كما يقول الملك لرسول خصمه جوابكم السيف، مع أن السيف ليس بجواب، وإنما معناه لا أقابله بالجواب، وإنما أقابله بالسيف فكذلك قالوا لا تجيبوا عن براهينه واقتلوه أو حرقوه الثاني هو أن الله أراد بيان ضلالهم وهو أنهم ذكروا في معرض الجواب هذا مع أنه ليس بجواب، فتبين أنهم لم يكن لهم جواب أصلا وذلك لأن من لا يجيب غيره ويسكت، لا يعلم أنه لا يقدر على الجواب لجواز أن يكون سكوته لعدم الالتفات، أما إذا أجاب بجواب فاسد، علم أنه قصد الجواب وما قدر عليه.
المسألة الثانية: القائلون الذين قالوا اقتلوه هم قومه والمأمورون بقولهم اقتلوه أيضاً هم، فيكون الآمر نفس المأمور؟ فنقول الجواب عنه: من وجهين:
أحدهما: أن كل واحد منهم قال لمن عداه اقتلوه، فحصل الأمر من كل واحد وصار المأمور كل واحد ولا اتحاد، لأن كل واحد أمر غيره وثانيهما: هو أن الجواب لا يكون إلا من الأكابر والرؤساء، فإذا قال أعيان بلد كلاما يقال اتفق أهل البلدة على هذا ولا يلتفت إلى عدم قول العبيد والأرذال، فكان جواب قومه وهم الرؤساء أن قالوا لأتباعهم وأعوانهم اقتلوه، لأن الجواب لا يباشره إلا الأكابر والقتل لا يباشره إلا الأتباع.
المسألة الثالثة: {أَوْ} يذكر بين أمرين الثاني منهما ينفك عن الأول كما يقال زوج أو فرد، ويقال هذا إنسان أو حيوان، يعني إن لم يكن إنساناً فهو حيوان، ولا يصح أن يقال هذا حيوان أو إنسان إذ يفهم منه أنه يقول هو حيوان فإن لم يكن حيواناً فهو إنسان وهو محال لكن التحريق مشتمل على القتل فقوله اقتلوه أو حرقوه كقول القائل حيوان أو إنسان، الجواب عنه: من وجهين:
أحدهما: أن الاستعمال على خلاف ما ذكر شائع ويكون {أَوْ} مستعملا في موضع بل، كما يقول القائل أعطيته ديناراً أو دينارين، وكما يقول القائل أعطه ديناراً بل دينارين قال الله تعالى: {قُمِ اليل إِلاَّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 2 4] فكذلك هاهنا اقتلوه أو زيدوا على القتل وحرقوه الجواب الثاني: هو أنا نسلم ما ذكرتم والأمر هنا كذلك، لأن التحريق فعل مفض إلى القتل وقد يتخلف عنه القتل فإن من ألقى غيره في النار حتى احترق جلده بأسره وأخرج منها حياً يصح أن يقال احترق فلان وأحرقه فلان وما مات، فكذلك هاهنا قالوا اقتلوه أو لا تعجلوا قتله وعذبوه بالنار، وإن ترك مقالته فخلوا سبيله وإن أصر فخلوا في النار مقيله.
ثم قال تعالى: {فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النار} اختلف العقلاء في كيفية الإنجاء، بعضهم قال برد النار وهو الأصح الموافق لقوله تعالى: {يانار كُونِى بَرْداً} [الأنبياء: 69] وبعضهم قال خلق في إبراهيم كيفية استبرد معها النار وقال بعضهم ترك إبراهيم على ما هو عليه والنار على ما كانت عليه ومنع أذى النار عنه، والكل ممكن والله قادر عليه، وأنكر بعض الأطباء الكل، أما سلب الحرارة عن النار، قالوا الحرارة في النار ذاتية كالزوجية في الأربعة لا يمكن أن تفارقها، وأما خلق كيفية تستبرد النار فلأن المزاج الإنساني له طرفا تفريط وإفراط، فلو خرج عنهما لا يبقى إنساناً أو لا يعيش. مثلا المزاج إن كان البارد فيه عشرة أجزاء يكون إنساناً فإن صار أحد عشر لا يكون إنساناً وإن صارت الأجزاء الباردة خمسة يبقى إنساناً فإذا صارت أربعة لا يبقى إنساناً لكن البرودة التي يستبرد معها النار مزاج السمندل فلو حصل في الإنسان لمات أو لكان ذلك فإن النفس تابعة للمزاج، وأما الثالث فمحال أن تكون القطنة في النار والنار كما هي، والقطنة كما هي ولا تحترق، فنقول الآية رد عليهم والعقل موافق للنقل، أما الأول فلوجهين:
أحدهما: أن الحرارة في النار تقبل الاشتداد والضعف، فإن النار في الفحم إذا نفخ فيه يشتد حتى يذيب الحديد وإن لم ينفخ لا يشتد لكن الضعف هو عدم بعض من الحرارة التي كانت في النار، فإذا أمكن عدم البعض جاز عدم بعض آخر من ذلك عليها إلى أن ينتهي إلى حد لا يؤذي الإنسان، ولا كذلك الزوجية فإنها لا تشتد ولا تضعف والثاني: وهو أن في أصول الطب ذكر أن النار لها كيفية حارة كما أن الماء له كيفية باردة لكن رأينا أن الماء تزول عنه البرودة وهو ماء فكذلك النار تزول عنها الحرارة وتبقى ناراً وهو نور غير محرق، وأما الثاني فأيضاً ممكن وقولهم مدفوع من وجهين:
أحدهما: منع أصلهم من كون النفس تابعة للمزاج بل الله قادر على أن يخلق النفس الإنسانية في المزاج الذي مثل مزاج الجمد وثانيهما: أن نقول على أصلكم لا يلزم المحال لأن الكيفية التي ذكرناها تكون في ظاهر كالأجزاء الرشية عليه ولا يتأدى إلى القلب والأعضاء الرئيسة، ألا ترى أن الإنسان إذا مس الجمد زماناً ثم مس جمرة نار لا تؤثر النار في إحراق يده مثل ما تؤثر في إحراق يد من أخرج يده من جيبه، ولهذا تحترق يده قبل يد هذا. فإذا جاز وجود كيفية في ظاهر جلد الإنسان تمنع تأثير النار فيه بالإحراق زماناً فيجوز أن تتجدد تلك الكيفية لحظة فلحظة حتى لا تحترق، وأما الثالث: فمجرد استبعاد بيان عدم الاعتياد ونحن نسلم أن ذلك غير معتاد لأنه معجز والمعجز ينبغي أن يكون خارقاً للعادة.
ثم قال تعالى: {إِنَّ فِي ذلك لأيات لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يعني في إنجائه من النار لآيات، وهنا مسائل:
المسألة الأولى: قال في إنجاء نوح وأصحاب السفينة {جعلناها ءايَةً} [العنكبوت: 15] وقال هاهنا {لآيَاتٍ} بالجمع لأن الإنجاء بالسفينة شيء تتسع له العقول فلم يكن فيه من الآية إلا بسبب إعلام الله إياه بالاتخاذ وقت الحاجة، فإنه لولاه لما اتخذه لعدم حصول علمه بما في الغيب، وبسبب أن الله صان السفينة عن المهلكات كالرياح العاصفة، وأما الإنجاء من النار فعجيب فقال فيه آيات.
المسألة الثانية: قال هناك {آية للعالمين} [العنكبوت: 15] وقال هاهنا {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} خص الآيات بالمؤمنين لأن السفينة بقيت أعواماً حتى مر عليها الناس ورأوها فحصل العلم بها لكل أحد، وأما تبريد النار (فإنه) لم يبق فلم يظهر لمن يعده إلا بطريق الإيمان به والتصديق، وفيه لطيفة: وهي أن الله لما برد النار على إبراهيم بسبب اهتدائه في نفسه وهدايته لأبناء جنسه، وقد قال الله للمؤمنين بأن لهم أسوة حسنة في إبراهيم، فحصل للمؤمنين بشارة بأن الله يبرد عليهم النار يوم القيامة، فقال إن في ذلك التبريد لآيات لقوم يؤمنون.
المسألة الثالثة: قال هناك {جعلناها} وقال هاهنا {جعلناه} لأن السفينة ما صارت آية في نفسها ولولا خلق الله الطوفان لبقي فعل نوح سفها، فالله تعالى جعل السفينة بعد وجودها آية، وأما تبريد النار فهو في نفسه آية إذا وجدت لا تحتاج إلى أمر آخر كخلق الطوفان حتى يصير آية.


{وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)}
لما خرج إبراهيم من النار عاد إلى عذل الكفار وبيان فساد ما هم عليه، وقال إذا بينت لكم فساد مذهبكم وما كان لكم جواب ولا ترجعون عنه، فليس هذا إلا تقليداً، فإن بين بعضكم وبعض مودة فلا يريد أحدكم أن يفارقه صاحبه في السيرة والطريقة أو بينكم وبين آبائكم مودة فورثتموهم وأخذتم مقالتهم ولزمتم ضلالتهم وجهالتهم فقوله: {إِنَّمَا اتخذتم... مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ} يعني ليس بدليل أصلا وفيه وجه آخر وهو تحقيق دقيق، وهو أن يقال قوله: {إِنَّمَا اتخذتم... مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ} أي مودة بين الأوثان وبين عبدتها، وتلك المودة هي أن الإنسان مشتمل على جسم وعقل، ولجسمه لذات جسمانية ولعقله لذات عقلية، ثم إن من غلبت فيه الجسمية لا يلتفت إلى اللذات العقلية، ومن غلبت عليه العقلية لا يلتفت إلى اللذات الجسمانية، كالمجنون إذا احتاج إلى قضاء حاجة من أكل أو شرب أو إراقة ماء وهو بين قوم من الأكابر في مجمع يحصل ما فيه لذة جسمه من الأكل وإراقة الماء وغيرهما ولا يلتفت إلى اللذة العقلية من حسن السيرة وحمد الأوصاف ومكرمة الأخلاق. والعاقل يحمل الألم الجسماني ويحصل اللذة العقلية، حتى لو غلبت قوته الدافعة على قوته الماسكة وخرج منه ريح أو قطرة ماء يكاد يموت من الخجالة والألم العقلي.
إذا ثبت هذا فهم كانوا قليلي العقل غلبت الجسمية عليهم فلم يتسع عقلهم لمعبود لا يكون فوقهم ولا تحتهم، ولا يمينهم ولا يسارهم، ولا قدامهم ولا وراءهم، ولا يكون جسماً من الأجسام، ولا شيئاً يدخل في الأوهام، ورأوا الأجسام المناسبة للغالب فيهم مزينة بجواهر فودوها فاتخاذهم الأوثان كان مودة بينهم وبين الأوثان، ثم قال تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} يعني يوم يزول عمى القلوب وتتبين الأمور للبيب والغفول يكفر بعضكم ببعض ويعلم فساد ما كان عليه فيقول العابد ما هذا معبودي، ويقول المعبود ما هؤلاء عبدتي ويلعن بعضكم بعضاً، ويقول هذا لذاك أنت أوقعتني في العذاب حيث عبدتني، ويقول ذاك لهذا أنت أوقعتني فيه حيث أضللتني بعبادتك، ويريد كل واحد أن يبعد صاحبه باللعن ولا يتباعدون، بل هم مجتمعون في النار كما كانوا مجتمعين في هذه الدار كما قال تعالى: {وَمَأْوَاكُمُ النار} ثم قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ مّن ناصرين} يعني ليس تلك النار مثل ناركم التي أنجى الله منها إبراهيم ونصره فأنتم في النار ولا ناصر لكم، وهاهنا مسائل:
المسألة الأولى: قال قبل هذا {وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} [العنكبوت: 22] على لفظ الواحد، وقال هاهنا على لفظ الجمع {وَمَا لَكُمْ مّن ناصرين} والحكمة فيه أنهم لما أرادوا إحراق إبراهيم عليه السلام قالوا نحن ننصر آلهتنا كما حكى الله تعالى عنهم: {حَرّقُوهُ وانصروا ءالِهَتَكُمْ} [الأنبياء: 68] فقال أنتم ادعيتم أن لهؤلاء ناصرين فما لكم ولهم، أي للأوثان وعبدتها من ناصرين، وأما هناك ما سبق منهم دعوى الناصرين فنفى الجنس بقوله: {وَلاَ نَصِيرٍ}.
المسألة الثانية: قال هناك {مَا لَكُمْ مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} وما ذكر الولي هاهنا فنقول: قد بينا أن المراد بالولي الشفيع يعني ليس لكم شافع ولا نصير دافع، وهاهنا لما كان الخطاب دخل فيه الأوثان أي ما لكم كلكم لم يقل شفيع لأنهم كانوا معترفين أن كلهم ليس لهم شافع لأنهم كانوا يدعون أن آلهتهم شفعاء، كما قال تعالى عنهم: {هَؤُلاء شفعاؤنا} [يونس: 18] والشفيع لا يكون له شفيع، فما نفى عنهم الشفيع لعدم الحاجة إلى نفيه لاعترافهم به، وأما هناك فكان الكلام معهم وهم كانوا يدعون أن لأنفسهم شفعاء فنفى.
المسألة الثالثة: قال هناك {مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ الله} فذكر على معنى الاستثناء فيفهم أن لهم ناصراً وولياً هو الله وليس لهم غيره ولي وناصر وقال هاهنا {مَا لَكُم مّنْ ناصرين} من غير استثناء فنقول كان ذلك وارداً على أنهم في الدنيا فقال لهم في الدنيا، لا تظنوا أنكم تعجزون الله فما لكم أحد ينصركم، بل الله تعالى ينصركم إن تبتم، فهو ناصر معد لكم متى أردتم استنصرتموه بالتوبة وهذا يوم القيامة كما قال تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} وعدم الناصر عام لأن التوبة في ذلك اليوم لا تقبل فسواء تابوا أو لم يتوبوا لا ينصرهم الله ولا ناصر لهم غيره فلا ناصر لهم مطلقاً.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10